اكتب ما تود البحت عنه و اضغط Enter
معذرة، فالصفحة التي تبحث عنها في هذه المدونة ليست متوفرة.

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

قطرة ماء – الأستاذة هندة البوعزيزي



أيّتها القطرة، مذ رأيتك سارعت إلى إخفائك، فقد بدوت أكرم من أن تبذلي للعيون تتفحّصك و إن مِن خلف واجهات فخمة الادّعاء ، وارَيْتُك في سجف الغياب كَماسَةٍ حذَر نُورٍ يراك فتنتابه غيرةٌ ويصيبه منك وجومٌ ويتلاشى قلبُه في الدّيجور…واليوم استرقت إليك النّظر فأبهرني مرآك و عَشِيت عيناي من سَناك… 
أَقطرةَ الماء أنبْعَ الحياة ، منك كان الوجودُ و بك يكون. أخبريني أنّى تسنّى لك أن ترتسميِ بهذا البهاء وقد كُللّتِ بِقُبّة منك ارتفعت بالهواء ارتدادا بعد أن وقعتْ على الأرض… ارتفعت كأنّما تلتمس العودَ إلى قبّة السّماء قَصَصا، أو تنوي الأوبَ إلى سُحبٍ دَرَّتها ذات امتلاء، عند رواحها من مرعاها الخصيب في بحار ليس لمداها حدّ ، حَدَتها إلى أرض أضناها الظّمأ رياح عاصفة عاطفة حادبة..
ثقُلتِ، اكتملتِ في رحم ِ الغيمة وآن المخاضُ فألقتْ بك إلى الوجود إلى الثّرى ليثرى، فانشطرتِ ، بعض منك هَوَى إلى أرض و ارتدّ عاليا وبعضٌ هَوِيَ التّراب واستطابه مقاما وراح يمدّ إلى شطره يدا يهيب به أن ابق معي هنا نسِرْ معا نُغذِّ السّيلَ، لا تخف، سنثوب حتما إلى البحر و سنعرُج إلى السّماء كَرّة أخرى…
يالهذا الماء شبيهِ الهواء يشفّ عمّا دونه ،يحمله في قلبه ، بيد أنّه لا يطمس معالمه ولا يغيّر ملامحه ، فإن مكث فيه صار منه كبعضه وإن قلاه أو سلا ذكراه فليس ينقصُ أو يقلِص جَزْرا ولن ترى طَرْفَه يذرف دمعا … أوَ تدري أنّ البحر لا يهَب أمواهه إلّا صرفا لا شائبةَ تَشوبها ، عَطيّةً إلى الأرض العطشى، مهرا تكنزه شتاءً قطرة قطرة، تتشرّبه على مهل لتتّخذ منه ربيعا زينتها، وتبدي حِليتها سندسا ومخملا ألوانا ألوانا…فينتشي البحرُ ويهدأ قلبه وتمتدّ مويجاته تلثِم وجنة الأرض ماءً يعلوه زبَدٌ يذهب سدى ولا يظلّ سوى الماء وقَطرِه…

شارك الموضوع عبر :

كاتب الموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تازة نت  | Almohtarif
للإتصال بنا:
جميع الحقوق محفوظة ل Taza تازة